السبت، 14 أغسطس 2010

فتى الفتيان




فِي رِثَاءِ فَتَى الفِتَيَان

حَاشِيَة فَوقَ أَنْ تَكُونَ مَتْنَا
حين تسابق جميع أبنائه ليحملوه على محفة الإسعاف تمهيدًا لنقله إلى مستشفى آخر، تراجعت مستندًا بظهري إلى الحائط، ومحاولا أن أحتضننه بعينيَّ و أن أملأهما به حتى ألقاه ثانية.
لدى عودتي إلى المنزل سألني أبي: كيف حاله؟، رددت: سيموت، قاطعني: كيف؟! أما كنت هناك؟! لقد نقلوه إلى مستشفى الـ ، صمتَ حين رأى حزني وانطفاء كل ما في.
داخل غرفتي كنت أستعد للنبأ الفاجع، لم أدر كم انتظرت، كل ما أذكره هو أمي وهي تدفع الباب باحثة عني وبكاؤها يسبقها: يا ولداه، لقد مات الأستاذ صلاح، يا كبدي يا بني، لم أتحرك ولم يتحرك شيء إلا صوت النعاة عبر مكبرات الصوت.
ما الذي أوحى إلي بموته؟ هذا الوقار الذي علا وجهك وأنت مسجى على المحفة، رقدتك – فلم أرك راقدًا من قبل- ، إغماض عينيك كأنك ترى ما لا يُرى، وتنعم بلقاء من تود.
ما الذي يجعل آلاف الناس يبكون رجلا كان يملك قوت يومه؟ بسمتك التي تحمل عالمًا من الأمل، اطمئنانهم إليك، شعورهم بالذنب أو الفقد أو كليهما.
أبدو عاجزًا عن الإجابة عن كثير من الأسئلة، وأرجو ألا أكون عاجزًا عن التعبير عن حزني لأني فقدتك - لا بوصفك مرجعية لغوية تاريخية – لقد فقدت عزيزًا لم أتوقع للحظة أن أفقده، حتى أنني لم أزرك بعد العملية الجراحية إلا حين تأكدت أنك قد وقفت على قدميك.
يا فتى الفتيان، لئن فرقتتنا المشارب أولا، والمنية ثانيا، فحسبي أن هذه الفرقة زادتنا قربًا؛ فحين لم أنتمِ للجماعة التي أنت أحد أعمدتها – لأسباب يطول بسطها – وحين امتطيتَ جواد أعمالك الصالحات إلى دار الحق، أظن أن ذلك المشترك الإنساني الذي بيننا ازداد عمقا وقوة ورسوخا؛ فأنت عندي فوق كل ما يفرق.
حين تراجعت مغمضا عيني حتى لا أراك وانت تودع مثواك – روضة من رياض الجنة بإذن الله – وسالت مني الدموع ملتهبة، رأيت وجهك مبتسمًا يسألني: هل ستفي بوعدك وتكتب قصيدتي؟ وتذكرتك إذ كنت لا تلقاني إلا بتحيتك العطرة قائلا: ما أخبارك يا شاعر؟.
عزائي أن مثلك لا يموت، ولا يسعه قبر، تلك قصيدتك يا صلاح الدين، يا فتى الفتيان.
أحمد سراج


مِيلُوا إَِلى دَارِ الطَّهَارَةِ وَاسْأَلُوا
أَيْنَ الحبيبُ؟ قِفُوا ولا تَتَعَجَّلُوا
فَلَعَلَّ نَارَ حَنِينِنَا تَخْبُو إِذَا
هَلَّ الذِي خَبَّتْ إِلَيهِ قَوَافِلُ
وَلَعَلََنَا نُرْوَى بِفَيْضِ حُضُورِهِ
عَذْبًا شَهِيًّا شَافِيًا نَتَنَاقَلُ
مَا لِلْبِيُوتِ؟ فَإِنَّهَا طَلَلٌ هَوَى
خَلَتِ الدِّيَارُ وَكُلُّهُنَّ أَوَاهِلُ
لَكِنَّ دُورًا لَيْسَ فِيهَا حِبُّنَا
قَفْرٌ وَإِنْ هَمَتِ السَّمَاءُ مَوَاحلُ
يَحْتَلُّ وَجْهَ القَومِ صَمْتٌ مُطْبِقٌ
لَولا التَّرَنُحُ قِيلَ مَاتَ الْمَاثِلُ
حَتَّى إِذَا لَزِمَ الفُراقُ تَحمَّلُوا
سَارُوا إِلَيهِ وَضَوْؤهُ مُتَكَامِلُ
بَدْرُ التِّمَامِ تَهَيُّؤًا وَمَهَابَةً
وُهِبَ السَّكِينَةَ وَالجُمُوعُ نَوَاهِلُ
ضِدَّانِ: حُسْنُ لِقَائِهِ وَوِدَاعِهِمْ
عُرْسُ الْفَتَى بِمَمَاتِهِ يَتَكَامَلُ
عُرْسُ الْفَتَى تُحْيِيهِ مِنْ أَعْمَاقِهَا
أُمَمٌ: مَلائِكُ صُحْبَةٌ وَأَوَائِلُ
الآنَ تَحْيَا فِي النُّفُوسِ صَلاحَنَا
الآنَ يَلْقَاكَ الحَبِيبُ الكَامِلُ


قَاتَلْتَ وَحْدَكَ وَالنَّزِيفُ جَحَافِلُ
لَمْ يُلْهِكَ النَّزْعُ الْمَرِيرُ الغَائِلُ
أَفْدِيكَ مِنْ وَطَنٍ ٍ؛ فَأنْتَ بِلادُنَـا
وَطَنٌ صَمُـودٌ عَادِلٌ مُتَفـائِلُ
أَفْدِيكَ مِنْ بَطَلٍ شَهِيدٍ فَارِسٍ
تَدْمَى العُيُونُ وَفِي القُلُوبِ زَلازِلُ
لِلَّه فِـعْـُلكَ فِعْلَ كُـلِّ جَلِيـلَـةٍ
تَفْنَى البِلادُ وَأَنْتَ بَاقٍ فَاضِل
تَبْكِيكَ أُمٌّ لَمْ تَلِدكَ وَبِنْتُهَا
وَلْهَى عَلِيكَ... وَكُلُّهُنَّ ثَوَاكِلُ
يَبْكِيكَ شَيخٌ كُنْتَ تُزْجِي هَمَّهُ
وَفَتًى جَعَلْتَهُ كِالأسُودِ يُصَاوِلُ
تَبْكِيكَ مِئْذَنةٌ وَمُصْحَفُ عَالِمٍ
يَبْكِيكَ مِحْرَابٌ عَلَيكَ يُسَائِلُ
فَكَأنَّ أَرْضِي غَيْرُهَا لِنَحِيبِهَا
تّذْوِي وَتَنْدبُ والدُّمُوعُ هَوَاطِلُ
لَوْ يُدرِكُ الْمَوْتُ الْمُصِيبُ فُؤَادَنَا
مَا أَنْتَ فِينَا –لَوْ- وَمَا هُوَ فَاعِلُ
يَا مَنْ رَثَيْتَ وَلَسْتَ تُرْثَى وَاحِدًا
صُرِعَ الكَلامُ فَلا كَلامَ يُطَاوِلُ



وُئِدَ الذِينَ رَموكَ قَبْلَ رَحِيلِهِمْ
وَكَلامُكَ العَذْبُ الصَّمُودُ مُقَاتَلُ
حَشَدُوا الجُيُوشَ كَتَائِبًا وَجَحَافِلا
فَلِمَنْ كَتَائِبُ جَيْشِهِم وَجَحَافِلُ

فِبِلادُنَا يُفْنِي التَّتَارُ جُذُورَهَا
لَولا التَّباغُضُ وَالهَوَانُ تَسَاحَلُوا
الْقُدْسُ غَازِلَةٌ خُيُوطَ بَقَائِهَا
بِالدَّمِّ حِينًا وَبِالدُّعَاءِ تُسَاجِلُ
لَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيرُ دَامٍ دَامِعٍ
إِنَّ الحُمَاةَ تَبَاعَدُوا وَتَخَاذَلُوا
وَعِرَاقُنَا عَبَثَتْ بِهِ أَغْلالُ نَخَّـــــ
ـاسٍ ذّمِيمٍ مَزَّقَتْهُ سَلاسِلُ
قُمْ يَا فَتَى إِنَّ الخُيُولَ تُحَمْحَمُ
القُدْسَ تَبْغِي وَالسَّمَاءَ تُسَائِلُ
فُرْسَانُكَ الأطْهَارُ فَوقَ جِيَادِهِم
نَذَرُوا النُّفُوسَ وَأَنْتَ لَيثٌ بَاذِلُ
قُمْ قُلْ لَنَا أَيْنَ اللوَاذُ؟ فَإِنَّنَا
مُذْ غِبْتَ عَنَّا غَابَ مِنَّا الوَائِلُ
يَا فَارِسَ الحَقِّ الجَسُورَ تَكَلَّمِ
مُذْ قَدْ سَكَتَّ وَالهُمُومُ زَلازِلُ


لا تَكْتَرِثْ بِالـمَوتِ لَسْتَ بِرَاحِلٍ
إِنَّ الرَّحِيلَ وَإِنْ...فَغَيمٌ رَاحِلُ
فَمِنَ الضِّياءِ فَكَيفَ تُحْجَبُ صَاحِبِي؟
هَذِي مَآثِرُكَ التِي نَتَنَاهَلُ
تَشْفِي الجِرَاحَ تُنُيرُ كُلَّ بَصِيرَةٍ
تَرْجُو الـمَوَدَّةَ وَالسُّيوفُ صَوائِلُ
مَازِلْتَ تَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدَنَا
حَتَّى أَتَتْكَ وَأَنْتَ دَاعٍٍ آمِلُ
لَهفِي عَلَينا مِنْ فِرَاقِ أَحِبَّةٍ
فَهُمُ الجُسُومُ وَنَحْنُ ظِلٌّ زَائِلُ
لَيتَ الذِي بِكَ لَمْ يُصِبْكَ مَخَافَةً
مِنَّا عَلَينَا؛ فَأَنْتَ نَاجٍ نَاهِلُ
نُورٌ جَمِيلٌ فَوقَ جَبْهَةِ فَائِز
وََبِِأَصْلِهِ يَدْعُوكَ حِبٌّ نَائِلُ
أَفْنَيتَ لا، أَبْقَيتَ عُمْرًا في مَحَبَّةِ
أَحْمَدَ الهَادِي عَنْ شَرْعِهِ تَتَقَاتَلُ
وَتَرُدُّ كَيدَ الخَاسِرِينَ بِحْكَمَةٍ
يَبْغُونَ نِيرَانًا وَأَنْتَ جَدَاوِلُ
تَدْعُو إِلَى سُبُلِ الرَّشَادِ تَمَثُّلا
بِالرَّحَمَةِ الْمُهْدَاةِ فِعْلُكَ قَائِلُ
تَرْمِى بِنَازِلَةٍ فَتُلْقِي بَسْمَةً
يَرْضَى الإلَهُ وُيَنْثَنِي الـمُتَطَاوِلُ
اللهُ أَكْبَرُ يَا بْنَ أَوْسَطِ أُمَّةٍ
نِعْمَ الفَتَى وَنَعِمْتَ يَومَ تُقَابِلُ
وَتَعُودُ تَزْرَعُ فِي النِّفُوسِ كَرَامَةً
وَتُعِيدُ مَجْدًا قَدْ بَنَتْهُ أَوَائِلُ
حَتَّى إِذَا جَاءَ القَضَاءُ بِسَهْمِهِ
أَرْضَيتَ رَبَّكَ يَا صَلاحُ النَّائِلُ

إِنَّ الذِي خَلَقَ الجِنَانَ وَخُلْدَهَا
مُعْطٍ  وَجَازٍ فَاغْتَرِفْ يَا فَاضِلُ
جَنَّاتُ عَدْنٍ مَا وُعِدْتُ وَمَا أَمِلْتَ
طِبْ بِالذِي يُعْطِيكَ رَبٌّ عَادِلُ
خَمْسُونَ عَامًا قَدْ قَضَيْتَ مُحَارِبًا
لِتُعِيدَ حَقًّا قَدْ سَبَتْهُ أَرَاذِلُ
خَمْسُونَ بَيتًا قَدْ حَفَرْتُ وَإِنَّهَا
نَزْفُ القُلُوبِ سَطَّرَتْهُ أَنَامِلُ
خَمْسُونَ مِنْكَ رَفَعْتَ فِيهَا جَبْهَةً
خَمْسُونَ مِنِّي كَي تَدُومَ تُقَاتِلُ

هناك 3 تعليقات:

أتنين حبيبين يقول...

جميله اووووووووووووى

ماشاء الله
ربنا يبارك فيك يارب ويكرمك كل الخير

تحياتى للابداع المتناهى

مزيد من التوفيق والرقى

محمد صلاح يقول...

القصيدة غير مضبوطة تحتاج الى اعادة نشرها صحيحة كى يفهمها القراء

غير معرف يقول...

ثقافة الهزيمة .. عصابة البقرة الضاحكة‏ 2

فى مارينا مصيف الصفوة السياسية يقول أحد أفراد الأمن بالمنطقة أول فيلا هنا أتبنت كانت لإبراهيم سليمان وزير الأسكان السابق بعدها حدد الناس اللى تسكن المكان، خصوصا أنه أهدى علاء وجمال أبناء الرئيس السابق قصرين على بعد خطوات من فيلته، ثمن الواحد منهم يعدى الـ 40 مليون جنية ( حوالى 7 مليون دولار ) ومسجلين بأسماء هايدى وخديجة زوجاتهم.

و أستطرد: فى لسان الوزراء يسكن إيضا أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق وهو عضو فى أتحاد الشاغلين بمارينا، والوحيد من الوزراء السابقين الذى جاء بعد الثورة إلى مارينا، و له فيلا يقدر ثمنها الآن من 15 إلى 20 مليون جنية ( حوالى 3 مليون دولار ) ونفس السعر لفيلا نائب رئيس الجمهورية السابق عمر سليمان .

باقى المقال ضمن مجموعة مقالات ثقافة الهزيمة ( بقلم غريب المنسى ) بالرابط التالى www.ouregypt.us


مصر كلها تتساءل لماذا لم يتم للأن التحقيق مع أحمد شفيق و عمر سليمان بشأن ممتلكاتهم؟